العلمانية المؤمنة -الجزء الثالث

العلمانية المؤمنة -الجزء الثالث

  • العلمانية المؤمنة -الجزء الثالث

اخرى قبل 3 سنة

العلمانية المؤمنة -الجزء الثالث

 د.سالم سرية- اكاديمي وكاتب ( فلسطين)

العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية المؤمنه(8) ان راشد الغنوشي بات مقتنعا بالعلمانية الجزئيه (وهي نهج اردوغان) كما انه مع حياد الدولة حيث يقول : (يمكن أن تجد العلمانية الجزئية لنفسها مكانا في تصور إسلامي اعترف بنوع من التمايز بين المجال السياسي بما هو شأن دنيوي يدور على جلب المصالح ودرء المفاسد، مما تأهل فيه العقل للإدراك، وبين المجال الديني وبالخصوص التعبدي ولذلك ميز الفقهاء والأصوليون بين مجال العبادات، والأصل فيه التقيد بالنصوص الواردة دون تعليل ولا تعطيل وبين مجال المعاملات، والأصل فيه البحث عن العلل والمقاصد والمآل، ومن هذا القبيل الحديث الصحيح "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، وكان ذلك يتعلق بمسالة فنية زراعية. فلم يرسل الأنبياء عليهم السلام ليعلموا الناس فنون الزراعة والمواصلات والحروب وتنظيم المحاكم وفنون إدارات الدول. وحتى إن حدث أن مارسوها فليس ذلك من جوهر رسالتهم ولذلك ميز الأصوليون في عمل الرسول عليه السلام بين مهمته الرسالية التبليغية، وبين ما يخرج عن ذلك من نشاطه السلطاني قاضيا ومحاربا ومفتيا وزوجا. ان الملزم للمسلمين يقتصر على الجانب الأول أما الجانب الثاني فيندرج ضمن الاجتهاد أو لنقل ضمن السياسة. وكان الأصحاب عندما يلتبس عليهم الأمر يسالون: أهذا الأمر وحي أم رأي؟ أي سياسة فإذا كان الأول قالوا سمعنا وأطعنا وإذا كان من الصنف الثاني أعملوا رأيهم. فماذا يعني هذا التمييز بين المجالين؟ وما هي أهميته؟ أولا: ليس كل ما ورد في سيرة النبي عليه السلام أعمالا وأقوالا وإقرارات هي سنة تشريعية أي ملزمة للمسلمين، الملزم منها ما جاء بوصفه التبليغي عليه السلام. والعلماء هم المؤهلون لهذا التمييز. وهذا التمييز سمح عبر تاريخ الإسلام بتبلور مؤسستين، واحدة سياسية هي الدولة وأخرى دينية يقوم عليها العلماء تهتم بأمر تفسير النصوص والإفتاء وما إلى ذلك.لذا أمكن قيام بعض أشكال حياد الدولة بمعنى دولة لا تتدخل في الشأن الديني تفسيرا عقديا تفرضه على الناس)(9). اما بالنسبة للدكتور يوسف القرضاوي فانه يشن هجوما لا هوادة فيه على العلمانية (بكسر العين) في كتابه (الاسلام والعلمانية وجها لوجه) . واعتقد ان هذا الرفض المطلق للعلمانية انما هو رفض للعلمانية الشاملة وذلك ردا على فؤاد زكريا (محامي العلمانية كما يلقبه) ولا يشير مطلقا الى العلمانية الجزئيه .فيقول: ان العلمانية بضاعة غريبة لم تنبت في ارضنا ولا تستقيم مع عقائدنا ومسلماتنا الفكرية كما يتابع قائلا: بل ان العلماني الذي يرفض(مبدأ) تحكيم الشريعة من الاساس ليس له من الاسلام الا اسمه وهو مرتد عن الاسلام بيقين يجب ان يستتاب وتزاح عنه الشبهة وتقام عليه الحجة والا حكم القضاء عليه بالردة وجرد من انتمائه الى الاسلام او سحبت منه (الجنسية الاسلامية ) وفرق بينه وبين زوجه وولده وجرت عليه احكام المرتدين المارقين في الحياة وبعد الوفاة(10). وعند حديثه عن معنى الاسلام يقول: (الاسلام يرى ان لا حرج على المسلم ان يحب وطنه ويعتز به وان يحب قومه ويعتز بهم ما دام ذلك لا يتعارض مع حبه لدينه واعتزازه به ,وبهذا لا يضيق صدره بالوطنية او القومية, اذا لم يتضمنا محتوى يعادي الاسلام او ينافيه كالالحاد او العلمانية او النظرة المادية او العصبية الجاهلية ,ونحوها. ويتعاطف الاسلام تعاطفا خاصا مع العروبة المؤمنة, باعتبارها وعاء الاسلام, وباعتبار العربية لسان القرآن والسنة, ولغة العبادة والثقافة الاسلامية, وباعتبار العرب هم عصبة الاسلام وحملة رسالته, وباعتبار ارض العرب معقل الاسلام وحرمه, وفيها المساجد الثلاثة العظام, التي لا تشد الرحال الا اليها, في مكة والمدينة والقدس والعروبة المقصودة هي عروبة اللسان والثقافة, لا عروبة العرق والعنصر, فمن تكلم العربية فهو عربي. فالاسلام يدعو الى وحدة الوطن وتماسكه, فوحدة العرب ,فوحدة الامة الاسلامية, سعيا الى وحدة الانسانية, وتضامنها في ظل مبادئ اخلاقية مشتركة)(10). واذا تمعنا في هذا النص جيدا نراه يتطابق كليا مع الفكر القومي الوحدوي الذي يؤمن بالعلمانية الجزئية المؤمنة. واذا عدنا الى راشد الغنوشي الذي يؤمن بالعلمانية الجزئية نراه يبين بوضوح سببية رفضه للعلمانية الشاملة فيقول: ان العلمانية الشاملة تتجه قدما إلى نزع القداسة عن كل شيء وطرد المقدس من العالم ومن كل نشاط اجتماعي أو خلقي، وتحويل كل ما في هذا العالم إلى مجرد أدوات استعمالية ليس أكثرهنا نجد أنفسنا في عالم دارويني بحت، القوى والمصالح والملاذ هي وحدها صاحبة القيمة، ومنها تستمد كل قيمة. هنا لا يختفي فقط الدين والأخلاق والحق والعدل والله ذاته بل يختفي الإنسان أيضا، بما يجعل العلمانية هي بحق كما ذكر محسن الميلي "فلسفة موت الإنسان. وبلغ تيار العلمانية الأصولية أو الملحدة أقصاه مع ماركس، إذ أعلن الحرب على الدين بوصفه أفيونا للشعوب، فقامت إمبراطورية الشيوعية على الإلحاد، فكانت أقصر الإمبراطوريات عمرا أما نيتشة فقد أعلن موت الإله، وأعلنت وجودية سارتر التصادم الكامل بين الحرية وبين الإيمان "إما أن أكون حرا، أو يكون الله موجودا.فالعلمانية هنا تجاوزت مستواها الإجرائي الذي بدأت به متمثلا في حرية العقل وفي الفصل بين الدين والدولة، إلى المستوى الفلسفي أو العلمانية الشاملة مقابل العلمانية الجزئية بلغة المرحوم المسيري(8). واذا نظرنا الى سياقات العلمانية في اوروبا فاننا نلاحظ انها جاءت حلا لإشكالات مستعصية في البيئات الغربية تتمثل أساسا فيما حصل من تنازع طويل مدمر على السلطة بين الملوك وبين الكهنة، وتنازع ايضا بين هؤلاء الأخيرين وبين تيارات الفكر الحر التي نشأت متأثرة بأصداء وترجمات ابن رشد الذي جعل، للعقل مكانة متميزة في شئون الحياة مقابل قيود ووصاية الكنيسة،التي لم تكن تعترف بحقيقة خارج الكتاب المقدس. وقد أدى ذلك إلى نزاع واسع واضطهاد للعلماء بلغ حد الحرق وتكميم الأفواه. لقد كان الفكر الحر يصطدم بسلطة رجال الدين إن على المستوى الفكري تأسيسا لحرية العقل المطلقة أو على المستوى السياسي الاجتماعي سعيا لتحقيق السلم المدني والوحدة الوطنية بما يضع حدا للتحارب الديني الذي كان فاشيا، ويعترف معه بحق الشعوب في اختيار حكامهافكانت العلمانية حلا إجرائيا يتمثل في تحرير العقول من كل وصاية وإطلاق عنانها بلا حواجز ولا قيود ولا تهديد، ويضع حدا لتدخل الكنائس في المجال العام باعتباره مجالا عقليا خاليا من المقدسات تتدافع فيه كل الآراء والتجمعات، وتتولى أدوات الديمقراطية تنظيمه، وذلك مقابل حصر سلطان الكنائس في خصوصيات المسائل الروحية(9). لقد اشار جورج طرابيشي(7) الى العلمانية في بريطانية وفرنسا وامريكا وبلجيكا بشكل موجز الا ان عزمي بشارة(5) فاض في شرحها .فرغم ان ملكة بريطانية هي رئيسة الكنيسة البروتستانية الا ان هناك علمانية من طراز خاص لا تتصادم مع الحداثة ومع التطور .كما ان هناك تمايزا بينها وبين العلمانية في امريكا فهناك مجتمع متدين ودولة علمانية تمتاز بالغلو في نشر قيم منافية للدين (مثل زواج المثليين والحرية الجنسية والاجهاض والتسامح مع الملحدين ......الخ). وفي فرنسا طراز آخر للعلمانية بإطارها الكاثوليكي وتتدخل بالحريات الدينية (مثل ارتداء الحجاب او غيره) . خلاصة القول: ان العلمانية المؤمنة (العلمانية الجزئية على حد قول المسيري) تبقى طريق الخلاص والولوج الى عصر الحداثة. فالعروبة المؤمنة بالاسلام باعتباره روح العروبة تبقى صمام الامان للانفتاح على العصر والسعي لبناء مجتمع ديمقراطي يكفل للانسان حقوقه في شتى مناحي الحياة. .مع الشكر الجزيل للاستاذ الدكتور عبد الغني السامرائي لنشره المقال .والشكر الجزيل للاستاذ الدكتور عبدالخالق ختاتنة لتعميمه المقال على طلبة الدراسات العليا في الجامعة . المصادر 1. الحوالي، سفر بن عبدالرحمن. العلمانيه- رسالة ماجستير – جامعة ام القرى. https://www.noor-book.com 2. شاهين، عبدالصبور. العلمانية - تاريخ الكلمة، ص124، مقال ملحق ضمن كتاب أحمد فرج (جذور العلمانية )، الوفاء للطباعة والنشر، 1987م. 3. عطا، سامي. ما العلمانية ؟ https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/09/20/42428.html 4. يوسف، سامية. وهم العلمانية وضلالة العلمانيين. https://www.kutub-pdf.net/book 5. بشارة، عزمي. الدين والعلمانية في سياق تاريخي،جزئين، https://www.books4arab.com 6. ابن المقفع، سايروس. مصباح العقل تقديم وتحقيق الاب سمير خليل سلسلة التراث العربي المسيحي مطبعة دار العالم العربي القاهرة 1978 ص 92-95. 7. طراببيشي جورج. هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة. https://ketabpedia.com 8. المسيري، عبدالوهاب. العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة.الكتاب صدر في طبعتين عن دار الشروق القاهرة 2002 في جزئين، الجزء الأول يتناول الجانب النظري بينما يتناول الثاني الجانب التطبيقي0 (مراجعة محمد فتوح في شبكة الجزيرة). 9. راشد الغنوشي –الجزيرة- https://www.aljazeera.net/opinions 10يوسف القرضاوي. الاسلام والعلمانية وجها لوجه. ص 46 https://www.noor-book.com

البريدالالكتروني: ssirrieh@gmail.com

 

التعليقات على خبر: العلمانية المؤمنة -الجزء الثالث

حمل التطبيق الأن